تفاصيل الزيادات في الأجور بتونس: قرارات جديدة وتأثيرات مباشرة على القدرة الشرائية”

يشهد ملف الزيادات في الأجور في تونس نقاشًا واسعًا، وخاصة في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية، خاصة مع ما أُطلق عليه “الزيادة الظرفية” بالنسبة للتأثيرات الشرائية والاقتصادية. وقد عبّر عدد من الخبراء عن رفضهم لهذا التوجه، معتبرين أن الزيادة الظرفية لا تُحسّن بالضرورة القدرة الشرائية للمواطن، بل يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية وارتباك في التوازنات المالية للدولة.

وفي هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي محمد السماعلي أن رفع الحد الأدنى للأجور يجب أن يتم في إطار إصلاح شامل لمنظومة الأجور، قائلاً إن تحسين القدرة الشرائية يتطلب مشروعًا مستمرًا، وليس مجرد زيادة ظرفية تُعتمد لتسكين الأوضاع دون معالجة الخلل الحقيقي.

السماعلي شدد على أن الإعلان عن الترفيع في الأجور يُحدث أثرًا مباشرًا على المزاج العام للمواطن، إذ يمنحه شعورًا بارتفاع مداخيله رغم أنّ ذلك قد يدفع إلى التضخم وارتفاع الأسعار وعدم توازن الاستهلاك. ووفق تقديره، فإن هذا التوجه قد يكون مخالفًا لما تقتضيه سياسات مالية يجب أن تحافظ على توازن الإنفاق وتغطية نفقات الصحة والتعليم والنقل، بما ينعكس سلبًا من إضافة التكاليف.


وحول الجهات المسؤولة عن تحديد الزيادة، أوضح السماعلي أن تلك الصلاحيات تعود لمجلس النواب، بينما تتكفل الحكومة بتنفيذها على الوظيفة العمومية والقطاعين الخاص والعام والمؤسسات الحكومية. وأضاف أن أي زيادات لا تكون مبنية على أسس علمية دقيقة قد تؤدي إلى نتائج سلبية تتعلق بالتضخم وارتفاع الأسعار، الأمر الذي قد ينعكس على قدرة المواطن الشرائية بشكل واضح.


الخبير الاقتصادي أشار أيضًا إلى أنّ التوجه نحو الترفيع في الأجور المنتظم قد يضعف تنافسية الاقتصاد الوطني إذا لم تَرافقه إصلاحات هيكلية تُعزز من الإنتاجية. وأضاف أنّ التجارب السابقة أثبتت أن زيادات غير مدروسة أدت إلى تدهور في الميزانية وزيادة نسب العجز، معتبرًا أن الوضع الحالي يتطلب إصلاحات عميقة بدلًا من حلول ترقيعية.

وفي جانب آخر، قال السماعلي إن السياسات الاجتماعية التضامنية يمكن أن تقلّل الضغط المفروض على منظومة الأجور، مشيرًا إلى أن السبب الرئيسي للتضخم مرتبط أساسًا بتراجع الإنتاج وانكماش الاقتصاد. 

وأوضح أن تجربة سنة 2022 أظهرت مدى هشاشة النظام المالي، خاصة مع محدودية الموارد. واعتبر أن السنة الحالية ستكون أصعب في حال تمّ اعتماد زيادات غير مدروسة، سواء تمّ تنفيذها أو تجاوزها بقيمة طفيفة، حسب التطورات الاقتصادية.


كما حذّر الخبير من أن أي ترفيع غير مدروس قد يؤدي إلى نتائج عكسية ترفع التضخم وتحدّ من مفعول الزيادة، خاصة في ظل تواصل ضغوطات التمويل والاقتراض. وقال إن تجربة سنة 2022 ستكون المرجع الذي ستعتمده الحكومة لتقييم الزيادات المقبلة، سواء تم تنفيذها أو تجاوزها بقيمة طفيفة حسب التطورات الاقتصادية.


ووفق مشروع قانون المالية، فإن الزيادات ستكون موزعة على السنوات 2026 و2027 و2028، باحتساب 12 بالمائة عن كل سنة. على أن يبدأ تنفيذها فعليًا من 1 جانفي 2026، مع إمكانية مراجعتها لاحقًا بحسب تطوّر الوضع الاقتصادي. وقد تمّ وضع نسبة تقارب 5% لدعم القدرة الشرائية التونسية على مراحل، مطروحة بالنجاح على صناع القرار والمتقاعدين والموظفين.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال