أقولها بكل ثقة ودون تردد: من ينكر الحق الدستوري لرئيس الجمهورية في "القيادة العليا للقوات المسلحة وقوات الأمن الوطني"، فهو جاهل بالدستور!!
من ينكر حق رئيس الجمهورية في "إجراء التعيينات والإعفاءات في الوظائف العسكرية والأمنية العليا"، مطالب بمراجعة معلوماته الدستورية!!
فقد ورد في الفصل 71 ما نصه، أن:
"يختص رئيس الجمهورية:
• بتمثيل الدولة
• تعيين مفتي الديار التونسية.
• القيادة العليا للقوات المسلحة وقوات الأمن الوطني.
• إعلان الحرب وإبرام السلم بعد موافقة مجلس الشعب بأغلبية ثلاثة أخماس أعضائه وإرسال القوات إلى الخارج بموافقة رئيسي مجلس الشعب والحكومة على أن ينعقد المجلس للبت في الأمر خلال أجل لا يتجاوز ستين يوما.
• إعلان الطوارئ حسب الشروط المبينة بالفصل 73.
• إجراء التعيينات والإعفاءات في الوظائف العسكرية والأمنية العليا والمؤسسات العمومية الراجعة بالنظر إلى وزارة الدفاع وبعد أخذ رأي اللجنة البرلمانية المختصة، وفي صورة عدم إبداء الرأي في أجل 20 يوما، يعتبر ذلك قبولا ضمنيا.
• تعيين رئيس جهاز المخابرات العامة بعد أخذ رأي مطابق لأغلبية أعضاء اللجنة البرلمانية المختصة.
• إجراء التعيينات والإعفاءات في الوظائف العليا برئاسة الجمهورية والمؤسسات التابعة لها.
• حل مجلس الشعب في الصور التي ينصّ عليها الدستور.
• إسناد الأوسمة."...
لكن الفصل المشار إليه لم يتضمنه الدستور الرسمي للجمهورية التونسية المصادق عليه في 27 جانفي 2014، والمنشور بالرائد الرسمي للبلاد التونسية؛ لكنه جاء في أول مسودة مشروع للدستور بتاريخ 14 ديسمبر 2012. وهي المسودة التي تم تجاوزها بمشروع ثان للدستور بتاريخ 22 أفريل 2013، ثم مشروع ثالث بتاريخ 1 جوان 2013. قبل أن يتم التخلي عن تلك المشاريع جميعا، ويستقر الدستور في نسخته النهائية الصادرة في 2014 والمعتمدة حاليا.
وكانت الهيئة المشتركة للتنسيق والصياغة قد بينت في ملاحظاتها حول هذا الفصل، أنه:
"هناك رأي غالب في الهيئة باعتبار الأمن خارجا عن صلاحيات رئيس الجمهورية"...
وبناء على ذلك، أقرت مسودة مشروع الدستور المنجزة بتاريخ 22 أفريل 2013، ما ذهب له أغلب أعضاء الهيئة. وأصبحت صيغة الفصل 71 كما يلي:
"يتولى رئيس الجمهورية:
• تمثيل الدولة،
• تعيين مفتي الجمهورية التونسية،
• تعيين محافظ البنك المركزي باقتراح من رئيس الحكومة وبعد إبداء الرأي من اللجنة البرلمانية المختصة في أجل لا يتجاوز عشرين يوما. ويتم إعفاؤه بنفس الصيغة أو بطلب من الأغلبية المطلقة لمجلس نواب الشعب،
• القيادة العليا للقوات المسلحة،
• رئاسة مجلس الأمن الوطني،
• إعلان الحرب وإبرام السلم بعد موافقة مجلس الشعب بأغلبية ثلاثة أخماس أعضائه وإرسال القوات إلى الخارج بموافقة رئيسي مجلس الشعب والحكومة على أن ينعقد المجلس للبت في الأمر خلال أجل لا يتجاوز ستين يوما،
• إعلان الطوارئ حسب الشروط المبينة بالفصل 73،
• إجراء التعيينات والإعفاءات في الوظائف العسكرية العليا والمؤسسات العمومية الراجعة بالنظر إلى وزارة الدفاع، كل ذلك باقتراح من رئيس الحكومة وبعد أخذ رأي اللجنة البرلمانية المختصة، وفي صورة عدم إبداء الرأي في أجل عشرين يوما، يعتبر ذلك قبولا ضمنيا. وتضبط الوظائف العسكرية العليا بقانون،
• إجراء التعيينات والإعفاءات في الوظائف العليا برئاسة الجمهورية والمؤسسات التابعة لها،
• إجراء التعيينات والإعفاءات بالوظائف المدنية العليا بناء على اقتراح مطابق من رئيس الحكومة. وتضبط الوظائف المدنية العليا بقانون،
• حل مجلس الشعب في الصور التي ينصّ عليها الدستور،
• إسناد الأوسمة،
• العفو الخاص،
• المصادقة على المعاهدات والإذن بنشرها."...
وعوضا عن العدد 71، حمل الفصل الجديد في المسودة الثانية العدد 76.
سلطات رئيس الجمهورية
وبعد مشروع ثالث في 1 جوان 2013، استقرت سلطات رئيس الجمهورية بالفصلين 77 و78 من دستور 27 جانفي 2014، ونصهما:
"الفصل 77 – يتولّى رئيس الجمهورية تمثيل الدولة ويختص برسم السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة.
كما يتولّى:
- حلّ مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينصّ عليها الدستور، لا يجوز حل المجلس خلال الأشهر الستة التي تلي نيل أول حكومة ثقة المجلس بعد الانتخابات التشريعية أو خلال الأشهر الستة الأخيرة من المدة الرئاسية أو المدة النيابية،
- رئاسة مجلس الأمن القومي ويدعى إليه رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب،
- القيادة العليا للقوات المسلحة،
- إعلان الحرب وإبرام السلم بعد موافقة مجلس نواب الشعب بأغلبية ثلاثة أخماس أعضائه، وإرسال قوات إلى الخارج بموافقة رئيسي مجلس نواب الشعب والحكومة، على أن ينعقد المجلس للبت في الأمر خلال أجل لا يتجاوز ستين يوما من تاريخ قرار إرسال القوات،
- اتخاذ التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية، والإعلان عنها طبق الفصل 80،
- المصادقة على المعاهدات والإذن بنشرها،
- إسناد الأوسمة،
- العفو الخاص.
الفصل 78 – يتولى رئيس الجمهورية بأوامر رئاسية:
- تعيين مفتي الجمهورية التونسية وإعفاءه،
- التعيينات والإعفاءات في الوظائف العليا برئاسة الجمهورية والمؤسسات التابعة لها، وتضبط هذه الوظائف العليا بقانون،
- التعيينات والإعفاءات في الوظائف العليا العسكرية والدبلوماسية والمتعلقة بالأمن القومي بعد استشارة رئيس الحكومة. وتضبط هذه الوظائف العليا بقانون،
- تعيين محافظ البنك المركزي باقتراح من رئيس الحكومة، وبعد مصادقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب. ويتمّ إعفاؤه بنفس الصيغة أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس نواب الشعب ومصادقة الأغلبية المطلقة من الأعضاء."...
وتأكد بالتالي وبصورة نهائية، أن سلطة رئيس الجمهورية لا تتعد قيادة القوات المسلحة بمعنى القوات العسكرية، والتعيينات والإعفاءات في الوظائف العسكرية العليا دونا عن الوظائف الأمنية العليا.
هل كان مدرس القانون الدستوري رئيس الجمهورية جاهلا بالنقاش الذي دار في المجلس الوطني التأسيسي وتخلي أعضائه عن اعتماد جمع رئيس الجمهورية بين قيادة القوات العسكرية والأمنية واكتساب سلطة التعيين فيهما؟ أم أنه تناساه، أو تعمد تجاهل ذلك إن لم نقل إخفاءه، لغاية في نفس قيس؟
قوانين تستوجب المراجعة
ما سبق بيانه، لا يمنع من الإشارة لخللين يتوجب تلافيهما:
الأول، مراجعة القانون عدد 33 لسنة 2015 المتعلق بالوظائف العليا التي يختص رئيس الحكومة بالتعيين والإعفاء فيها. وذلك للتنصيص بوضوح يقطع دابر كل تأويل، على أن رئيس الحكومة يختص بالتعيينات والإعفاءات في الوظائف الأمنية العليا.
أما الثاني، فيتعلق بتنقيح الفصل الثاني من القانون عدد 70 لسنة 1982 المتعلق بضبط القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي، الذي نص على أنه:
"يرجع أعوان قوات الأمن الداخلي بالنظر إلى وزير الداخلية تحت سامي سلطة رئيس الجمهورية الذي يأذنهم ويأمرهم مباشرة أو عن طريق الوزير الأول أو وزير الداخلية...".
فهذه الصيغة كانت مستندة إلى طبيعة النظام الرئاسوي الذي أسسه دستور 1959، وأصبحت مخالفة لتوجهات الدستور الجديد الذي وزع الاختصاصات بين رأسي السلطة التنفيذية، أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وجعل القوات الأمنية خارجة عن السلطة المباشرة لرئيس الجمهورية.
كما أن التنقيح توجبه ضرورة قطع الطريق أمام التدخل المباشر لرئيس الجمهورية في المؤسسة الأمنية، حيث أثبت مسار العدالة الانتقالية أن عديد التجاوزات والانتهاكات التي تعرض لها المعارضون، حصلت بتعليمات مباشرة من رئيس الجمهورية الراحل زين العابدين بن علي، دون أن يكون وزير الداخلية على علم بها.
فالقانون الحالي، رغم عدم دستوريته، يظل قائما ونافذا ما لم يقع تغييره.
الكرامة المفقودة
لست ممن يتخوفون من حصول انقلاب، وإن كان توجه رئيس الجمهورية الذي اعتبره بعض عديمي المسؤولية مجرد إبداء رأي، يمثلا انقلابا على الدستور.
لكن ما أخشاه هو تواصل العبث والبلد يغرق، وأهله يواجهون عزّلا شبح /كوفيد-19/ القاتل، وموجات التفقير الشاملة الي أصبحت تدفع أبناءه لركوب أمواج الموت بحثا عن غد أفضل ومستقبل يضمن لهم حدا أدنى من الكرامة...
بالمناسبة، أين هي /الكرامة/ التي نص دستور 2014 على إضافتها لشعار الجمهورية إلى جانب الحرية والنظام والعدالة؟
Tags
أخبار