القاضي وليد الوقيني يفضح المسكوت عنه : 25 جويلية.." خمسة أشهر من أحلام شعب .... و تعثر من حكم ".

هذا ما كتبه الناشط بالمجتمع المدني و القاضي وليد الوقيني على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: خمسة أشهر  من أحلام  شعب  .... و تعثر من حكم  

"إن المحرك  الأساسي الذي بسببه  تتالت  الاحداث  و التحركات  الشعبية  وصولا  إلى يوم خمسة  و عشرين  جويلية   ألفين  و واحد  و عشرون  كان محركا اجتماعيا بالاساس  و ذلك نظرا  لاستفحال البطالة  و غلاء المعيشة  و تغوّل  منظومة الفساد   ، كان مطلب محاسبة  العصابة المتسببة  في ذلك  مطلبا  أساسيا  ، و مطلب تفكيك  أدوات حكم و هيمنة  هذه العصابة  كان مطلبا  مطروحا  و بامتياز. 


العصابة بعناوينها  السياسية  المتمثلة  في الأحزاب الحاكمة  آنذاك  و كذلك  بعناوينها  التشريعية  من خلال  ترسانة  القوانين  التي قدت  على قياس  مصالح  تلك  العصابة  لتحافظ  على مصالحها  و تحميها  ، و كذلك  من خلال عناوينها  المؤسساتية  التي حادت  عن اهدافها  و صارت تعبر  عن مجموعة  مصالح  القوى  التي أنشأتها   و حادت عن الاهداف  التي شرعت  من اجلها  ،  و كل فهم  خارج  عن هذا التمثل  لمطالب  الشعب التونسي  يعد  قصورا  فكريا  و سياسيا  كبيرا  لا يمكن  أن يؤدي  بصاحبه  إلى اتخاذ  الاجراءات  و القرارت  التي من شأنها  الاستجابة  فعلا لتطلعات  الشعب التونسي . 


و الخيط  الناظم  لمطالب  الشعب  آنذاك  اي يوم 25 جويلية 2021 هو أن تكون هناك  قوة  قادرة على اتخاذ  قرار  من خارج  فلسفة  المنظومة  ينهي  تلك المنظومة  الحاكمة  و يقطع معها  بشكل نهائي  على الأقل  في عناوينها  البارزة  اي رموز  تلك المنظومة  ، المنظومة في أبعادها الثلاثة  التشريعية  و المؤسساتية  و السياسية   . 
في ليلة  25 جويلية   اتخذ رئيس الجمهورية  جملة من القرارات  بناء  على قراءة  للفصل  80 خارجة  عن فلسفة  المنظومة  و تم اتخاذ  قرار  في علاقة  بالبعد المؤسساتي  للمنظومة  و المتمثل  في تجميد  اختصاصات  و صلاحيات  مجلس نواب الشعب  و كان القرار  مرفوقا  بقرار  يتصل  بالوجه  السياسي  للمنظومة  من خلال رفع الحصانة  عن أعضاء مجلس نواب الشعب  المجمد  و تم الاعلان  عن قرار آخر مؤسساتي  و تمثل  في ترأس  رئيس الجمهورية  للنيابة العمومية.


و قد خرجت الجماهير  المقهورة  آنذاك  لتعبر عن فرحتها  و مساندتها  لتلك  القرارة  باعتبارها  بداية  طريق الخلاص  و القطع مع مرحلة  اضرت  بالمواطن  في امنه  و قوته  و صحته  ، بالتالي فإن لحظة  25 جويلية  بنيت  على أساس  التعامل من خارج  فلسفة  المنظومة  و بادوات  مغايرة  للادوات  التي وضعتها  المنظومة  للحفاظ  على ديمومة  مصالحها  ،  و الشعب  عندما  خرج  في كامل تراب  الجمهورية  اعطى  المشروعية  التامة  لهذه الفلسفة  حتى يتم العمل في المرحلة القادمة  بنفس  الفلسفة  و الحوكمة.


حتى أن الأحزاب السياسية  بما فيها  حركة النهضة  و رغم تصنيفها  لما حصل بالانقلاب  الا انها  و على لسان  عديد قياداتها  كانت تقول ان 25 جويلية  كان امرا  ضروريا  نظرا للجمود  التي وصلت  له مؤسسات  الدولة  ، و كل الدوائر  الغربية  لم تصنف 25 جويلية  بالانقلاب  و طالبت  بالإسراع في انجاز  الاصلاحات  الحقيقية  للخروج  من حالة الاستثناء. 


لكن فوجئنا  بأول تراجع  قام به رئيس الجمهورية  في علاقة  بترأسه  للنيابة  العمومية  و هنا  تجدر  الاشارة  بالقول  إن النيابة  العمومية  في كل دول  العالم  تترأسها  السلطة  التنفيذية  كما انه  بدستور 2014 نفسه  يترأس وزير العدل  السلطة  التنفيذية  يعني  اذا اردنا  ان نحلل  بشكل اعمق  فإن ترأس  النيابة  العمومية  من قبل رئيس  هي اكثر  قرار  ملتصق  بالقانون  و الدستور  سواء  القانون  الوطني  أو القانون  المقارن.


لكن رئيس  الجمهورية  آثر التراجع  عن هذه الخطوة  و كانت تلك  أول خطوة  للعودة  و العمل من داخل  فلسفة  المنظومة  عوضا  عن فلسفة الحكم التي طالب بها الشعب  التونسي  ،  فالشعب التونسي كان يطالب بالاساس  بتعليق العمل بدستور 2014  معتبرا  أن هذا الدستور  هو المسؤول  الاول  عن تعطل دواليب  الدولة  و جثوم  الفساد  و تغلغله  في كل مؤسسات  الحكم . 


لكن رغم  ذلك  هذا الدستور  و بتأويل  سيء  لبنوده  اوقف اهم  قرار  و هو ترأس  رئيس الجمهورية  للنيابة  العمومية  ،  بتعلة  استقلال  القضاء  و الحال أن الكل يعلم  أن جهاز  النيابة  العمومية  هو المكلف بتنفيذ  السياسة  الجزائية  للدولة و هذا بصريح  أحكام الفصل 115 من الدستور  في فقرته  الثانية  كما أنه بالامكان  العودة  لمداولات  لجنة الحريات  و كذلك  مداولات  الجلسة  العامة  حول الباب الخامس  من الدستور  المتعلق  بالسلطة القضائية  و ستجدون  تصريحات  و مواقف  صريحة  للكتل  الحاكمة  انذاك  في هذا الصدد  التي رفضت  استقلالية  التيابة  العمومية  عن السلطة التنفيذية  . 

كان ذلك التراجع من رئيس  الجمهورية  في البلاغ  الصادر عن رئاسة الجمهورية  المتعلق بالامر  الرئاسي  عدد 80 هي أول خطوة  إلى الوراء  استراتيجيا  استفادة منها  المنظومة  الفاسدة  بشكل كبير  و ضمنت  بها  قدرتها  على مواصلة  الافلات  من المتابعة القضائية  . 

طبعا العنوان الاقتصادي  و الاجتماعي  الذي كان العنوان  الابرز  في تحرك  الشعب التونسي  كان يقتضي بدوره عملا من خارج  فلسفة الحكم السابقة  ل 25 جويلية  و هذا يعني أن يكون التعامل مع الاحتكار  و  الزيادة في الاسعار  و التهريب  بادوات  تشريعية  و تنفيذية  و قضائية  جديدة  و ذلك  يقتضي  اتخاذ  مراسيم  تمكن من الضرب بيد من حديد  على يد هؤلاء  العابثين  بمقدرات  البلاد  و الذين  كانوا  سببا  مباشرا  في افلاس  الوطن و المواطن.


 و رغم الحملات  التفقدية  التي قام بها رئيس  الجمهورية  و التي  بغض  النظر  عن تقييمنا  لها  لم تكن لتجدي  نفعا  لان أصل الداء  هي القوانين  التي وضعتها  منظومة  حكم فاسدة  لحماية  مصالحها  منظومة  تدمير  الاقتصاد  و بالمقابل  العقوبات  تمس  في اغلبها  بالذمة المالية للفاسدين  هذا ما نتج  عنه ما نحن نعيشه  اليوم  من فقدان  للمواد  و غلاء للاسعار  في بعض الاحيان  تجاوز  ما كان عليه الامر  قبل 25 جويلية . 


 و النقطة  الايجابية  في علاقة  باداء  الدولة  لم تسجل  الا في انتشار  و تطور  منظومة التلقيح  ضد كورونا  و الذي مهما  حاول تقزيمه  خصوم  الرئيس  فانه  يظل منجزا  مهم للحفاظ  على حياة الشعب التونسي  و صحته  الامر الذي تفننت  منظومة  ما قبل 25 جويلية  في اهداره   . 

أن التغيير  الذي طالب  به الشعب  التونسي  لا يمكن فقط  أن يتحقق  بالقرارات  السياسية  بل لابد من رجال و نساء دولة  قادرين على مواكبة  روح  مطالب  و مطلبية الشعب التونسي  ، هذه المطالب التي تطال كل قطاع  و كل ميدان و كل مؤسسة  مما يقتضي و الحالة تلك  الاعلان  عن حكومة جديدة  يتحلى ابناءها  بروح  و فلسفة  و فكر 25 جويلية  لكن ذلك لم يحصل  و الحال أن الوقت  يضغط  اساسا  في معطى عملي و حيوي  الا وهي صياغة  قانون  المالية  لسنة 2022 الذي  الاحداث تجعله  من المفترض أن يكون  أول واجهة مالية  و اجتماعية  لاعطاء  أول ثمار التغيير  التي ينتظرها  الشعب التونسي . 


لكن ذلك لم يحدث  و تعطلت  الحكومة  و الامر المنظم  لتسيير  دواليب  الدولة  لمدة تجاوزت  الشهر  و ثلاثة اسابيع  و هو امر  ليس بالهين  في ظرف استثنائي  على كل المستويات  ، في ذلك  الوقت  عادت للمنظومة  الثقة  و اصبح قانون المالية  يمثل  لها رهانا  لاسقاط  منظومة  ما بعد 25 جويلية  لاننا  احببنا  ام كرهنا  تلك  المنظومة  حكمت  البلاد  لعشرة سنوات  و هي تعرف جيدا اكراهات  الحكم  و كيف أن الحكم  و كيف أن الحكم  هو عامل تهرية  للثقة  بين الحاكم  و المحكوم  ، خصوصا اذا علمنا  أن قانون  المالية  تنطلق الإدارة في اعداده  منذ شهر مارس. 


أمام كل هذا  لم يتخذ رئيس  الجمهورية  أية اجراءات  بل وجد  نفسه  مكبلا  بمؤسسات  و تشريعات  غير متناسقة  مع الحدث الذي يمثله 25 جويلية  بل معارضة  له في عديد الاحيان  ، و الامور التي كان بامكان قيس سعيد اتخاذها تباطئ كثيرا في اتخاذها  من تسمية  حكومة جديدة  و اعلان  عن تعيينات  الولاة  و المعتمدين  و العمد  و المديرين  العامين.


إذ لا يمكن لأي فمرة أو هدف أو مبدأ أن يتحقق  إلا بواسطة  رجالات  و نساء  تؤمن به و تعمل على تحقيقه  من خلال أدوات الحكم  ، و مع هذا التباطئ  خسر 25 جويلية  اصدقاء  له من احزاب  و شخصيات  و منظمات  وطنية  نتيجة  لخطإ في البنية  الفكرية  و الفلسفية  التي قامت على عقلية  القطع الغير  ممنهج  و كانت استنساخا  لتجربة  الحكم  بين 2011 و 2012 و 2013 و استفادت  المنظومة  القديمة  أية استفادة  من هذا القطع  بلغت  اوجها  في أزمة النفايات  بعقارب .


و طبعا يرى  انصار  هذه القطيعة  أن هذا يدخل في نقاء الفكر  الاخشيدي  أن صح القول  لكن حسب رأيي  حساباتهم  كانت خاطئة  إلى ابعد  في هذه الخطوة  ، هذا إلى جانب التفكك  الذي باتت  تشهده  جبهة 25 جويلية  و التي كانت  اهم  تجلياته  في عدد الحضور يوم 17 ديسمبر 2021 ، و في الواقع هذا الانقسام  و التفتت  كان منتظرا  لعاملين  اثنين  هامين  اولهما  غياب بنية  تنظيمية  سواء لحراك  25 جويلية  أو لأنصار قيس سعيد  و ثاني أمر و هو الأخطر بالنسبة  لي أن فكرا لا يتعامل  بمرونة  مع الواقع  الذي يحيط  لا يمكن أن تكون عناصره  مرنة  فيما بينها  . 

طبعا المجتمع الدولي يسعى إلى الحفاظ على مصالحه  و ادواره  ناهيك  أن حقبة ما قبل 25 جويلية  تميزت بالاختراق  التام  للبلاد التونسية  و افتقاد السيادة و القرار الوطني  و كان كل طرف دولي له جزء  من لعبة الحكم في تونس  ما نجح  فيه قيس سعيد  أنه قد وضع حدا لهذه التدخلات  و ما فشل  فيه  هو تطوير  مجموع المؤمنين  ب 25 جويلية  في العالم  و المؤسسات  الدولية. 


لاننا  و رغم ايماننا  بالدولة  الوطنية  و السيدة  الا اننا كذلك  نؤمن  بان  العالم  الجديد  و العولمة  و تطور الرقمنة  جعلت  من الصعب  العيش في عزلة  عن المتغيرات  و الظروف الدولية  الا في حالة واحدة  هي أن تكون  دولتك  قوية  على مستوى  المال و السلاح   الامر الغير متوفر  بالنسبة  لواقعنا  ، مما جعل الضغط  الدولي المبني  اساسا  على مطالب الجبهة  الداهلية  في وضع خارطة طريق  للخروج  من حالة الاستثناء  و رغم محاولة  مقاومة  الرئيس  لفرض اجندة  برغبة وطنية  خالصة  لم ينجح  فيه. 


و كان خطاب 13 ديسمبر  الذي رأته  الاغلبية  مخيبا  لكل الآمال  و الاحلام  و اعطى متنفسا اكثر للمعسكر  المعادي  لقرارات  25 جويلية  فاعلنوا  الدخول في اضراب  جوع و هم الان يعولون  على أن تكون خلال شهر  جانفي احتجاجات  شعبية عارمة  تسقط  على إثرها المنظومة  الحاكمة  و يكونون  هم البديل  بنفس المنطق الذي اوصلهم  للحكم  في 2011 لكنهم  نسو  امرا هاما  أنه إذا كانت  هناك  من ثورة  فانها  ستأخذ الجميع دون استثناء  و انهم  سابقون جزء من الماضي  الاليم  و التعيس لهذه البلاد  . 


أردت تقديم هذه القراءة  بنفس المنطق الذي اتعامل به منذ سنوات  مع الامور  دون تطبيل  و دون تحقير  من خلال تحليل معطيات عشناها  و نعيشها  و سنعيشها  ، الفرصة مازالت  المهم التحلي بعقل و ارادة  حقيقين  و نحن نعيش في ظل أخطر مرحلة تمر  بها تونس في تاريخها  المعاصر و مازلت  اؤمن  ان احتمالات الخلاص  واردة و ممكنة  رغم  هذا الإصرار على التعثر  و الفشل  .

#وليد_الوقيني

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال