قفصة و سمير الوافي و عبد العزيز بن ضياء.. "منين طلع ها الفرخ":؟

كتب الاعلامي سمير الوافي على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي مايلي :

هذه الصورة في قفصة في التسعينات و ورائها قصة مثيرة لا تُنسى من كتاب حياتي...اللي يحب يقراها يوسع بالو لأنها طويلة شوية  :

لم يكن عمري يتجاوز العشرينات تقريبا...حين بدأت الكتابة في جريدة الصريح كمتعاون صحفي...كان أستاذي صالح الحاجة يشجعني ويكن لي عطفا خاصا مازال متواصلا إلى اليوم...ربي يطول في عمرو...وكنت أكتب بعض المقالات المتنوعة والساخرة...في الصفحات الفنية والإجتماعية...

وأتذكر أن شركة فسفاط قفصة إحتفلت وقتها بمائويتها بمناسبة مرور مائة سنة على تأسيسها...وكانت تحت إدارة السيد رافع دخيل رئيسها المدير العام...وتقرر أن تقام الإحتفالات الرسمية في قفصة تحت إشراف السيد عبد العزيز بن ضياء الله يرحمو...وكان وقتها يتقلد منصب الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي...أي الرجل الثالث في النظام...!!!

وتمت دعوة عدد من الصحفيين المعروفين من مختلف وسائل الإعلام لتغطية الحدث...وكان بينهم مجموعة صحفيين من جرائد يومية ورسمية...ولم تكن الصريح الجريدة الأسبوعية الساخرة مدعوة...لكن صديقي مراد السليمي الملحق الاعلامي لشركة فسفاط قفصة وجه لي دعوة مجاملة...وقال لي " إيجا تفرهد في قفصة وشوف الأجواء متاع الإحتفال...وموش لازم تكتب المهم تعلم...وتعرّف على الناس غادي "...فأعجبتني الفكرة وانطلقت مع القافلة الاعلامية نحو قفصة...وكنت أصغرهم وأقلهم خبرة وتجربة...وصغيرا على الكتابة في الشأن الوطني وتغطية مثل تلك التظاهرات...!!


في قفصة لم أتأقلم مع الوفد الاعلامي بسهولة...كانوا أكبر مني في العمر والمهنة...وبعضهم متكبر علي ويستغرب وجودي بينهم...حضرنا بعض التظاهرات...إلى أن حان وقت الخطاب الرسمي للأمين العام للتجمع السيد عبد العزيز بن ضياء...وكان رحمه الله رجلا قويا ومهابا ونافذا...لا أحلم حتى بمصافحته...وبدأ الخطاب وأنا جالس أمام المنصة مع الإعلاميين الموجودين...!!!


كان سي عبد العزيز يخطب والصحفيين يكتبون...وأنا أتفرج وأسمع...لكنه كان يخرج عن نص الخطاب ويمزح ويسخر ويقول كلاما لا ينشر...فيتوقف الصحفيون عن الكتابة لأنهم متعودون ويعرفون الضوابط وما ينشر وما لا ينشر...لكنني عكسهم كنت أكتب وأدون ذلك بالذات...متجاهلا الخطاب الرسمي الخشبي العادي المتكرر...وعدنا الى العاصمة بعد ثلاثة أيام في قفصة...!!!

كتبت ما سمعت وما رأيت في كواليس خطاب قفصة...واعطيته لسي صالح الحاجة مدير الجريدة ورئيس تحريرها...ومن فرط إعجابه بالمقال نشره مع عنوان مثير وغير معهود في الصفحة الأولى...لكنه بعد ذهاب الجريدة الى المطبعة فكر وتوجس واتصل بي في وقت متأخر...ليقول لي " أنا ما جانيش النوم نخمم في مقالك...ربي يستر "...!

صدرت الجريدة وبدأت الإتصالات المصدومة من المقال...فقد كتب كل الصحفيين نفس الكلام عن نفس الخطاب إلا ذلك " الفرخ " سمير الوافي...كأنه سمع خطابا آخر وكلاما آخر وحضر مائوية أخرى ...ولم تكن صورة سي عبد العزيز بن ضياء في مقالي كما تعود عليها الناس...فقد كتبت كل ما قاله خارج نص الخطاب ونشرت ما لا ينشر...فأظهرته طريفا وساخرا وتلقائيا ولاذعا ومقعارا...لكنها بالنسبة لبعض أجنحة النظام صورة لا تليق برجل دولة...فمن أين "طلع" هذا الفرخ سمير الوافي...!؟ ومن دعاه !؟...

قامت القيامة في شركة فسفاط قفصة بسبب اتصالات غاضبة من مسؤولين كبار...واستدعى سي رافع دخيل ملحقه الاعلامي مراد السليمي ( هو زميل في قناة تونسنا حاليا )...ليسأله غاضبا " شكون هذا سمير الوافي وشكون استدعاه وعلاش !؟ "...ووجد مراد نفسه في ورطة بسببي...وسي رافع في حالة إحراج و ارتباك وحيرة...وسي صالح الحاجة تلقى اتصالا غاضبا جدا من سي عبد الوهاب عبد الله مستشار الرئيس بن علي الصعب المراس وغول الإعلام...وأصبحت مهددا بالطرد المؤبد...والجريدة مهددة بالعقاب...ورئيس مدير عام شركة فسفاط قفصة محبط وخائف...لأنني أفسدت إحتفالات المائوية التي كانت ناجحة تنظيميا وسياسيا...!!

وأصبحت مكتئبا ومرعوبا ومطرودا..حتى إلتقى سي صالح الحاجة بعبد العزيز بن ضياء شخصيا بعد ثلاثة أيام في مناسبة رسمية...فاقترب منه مرتبكا ومعتذرا ومتحرجا وقائلا   " سامحنا سي عبد العزيز على الاحراج والإساءة...الله غالب فرخ صغير ما زال جديد عملها فينا هاني عاقبتو..." !


لكنه فوجئ بسي عبد العزيز يبتسم بلطف...ويرد عليه " ولا يهمك يا سي صالح...بالعكس المقال طريف والطفل موهوب...واللي تغششو وعملو حالة من جماعة النظام هاذوكم حاجتهم بيا أنا موش بيك انت...ويلوجولي على أي زلقة وتكمبينة...تو نصلح الأمور ما تقلقش روحك...وحافظ على هاك الوليّد..."  !!

ربي يطول في عمر أستاذي ومعلمي سي صالح الحاجة...ورحم الله سي عبد العزيز بن ضياء رجل الدولة...الذي كان قلبه أوسع من صدر النظام وقتها على الأقل...وأنقذ مسيرتي من التوقف مبكرا بسبب اللعب مع الكبار...وأنا ذلك الشاب الريفي المتمسك بفرصة عمره...كالمتمسك بقشة في عرض البحر...!!!

إرسال تعليق

أحدث أقدم