يعمل في صمت تاام: الجيش التونسي ينجح في تحويل منطقة صحراوية شاسعة وقاحلة إلى أرض خصبة وواحات خضراء وغابات مثمرة.. (فيديو)

على مسافة 650 كلم من العاصمة تونس في اتجاه جنوب غرب بدأت الكثبان الرملية الأشد ضراوة والمعروفة ب «العروق» (العرق الشرقي الكبير) تتفكك تحت وطأة إرادة الإنسان التي لا تقهر.


بل إن «المحدث» وهي مثلت قاحل تماما تبعد عن مدينة «الفوار» نحو 40 كلم في اتجاه الحدود الجزائرية هي بصمة أخرى منفردة على الصعيد العالمي تصنعها سواعد الجيش التونسي في أعماق الصحراء حيث لا بشر ولا شجر ولا حتى طير لا شيء عدى الأفق المفتوح إلى ما لا نهاية.



تلك البقعة النائية والشبيهة بالغرب الأمريكي المتوحش في بداية القرن التاسع عشر بدأت تدب فيها الحياة البشرية استلهاما من تجربة «رجيم معتوق» التي حولتها إرادة الجيش التونسي في ظرف ربع قرن من بقعة صحراوية قاحلة إلى واحات مترامية الأطراف تمتد على مسافة 25 كلم تشكلت فيها مدينة قوامها 8 آلاف ساكن تتواتر فيها المدارس والمستوصفات والمرافق العامة مثل أي مدينة أخرى حتى على الشريط الساحلي للبلاد.


واستنادا إلى ذات المنهجية التي صيغت بما التجربة الأولى يتقدم ديوان تنمية رجيم معتوق المنضوى تحت لواء وزارة الدفاع الوطني بخطوات ثابتة ومتسارعة على درب مراكمة عناصر الحياة لتوطين ما يربو عن ألف عائلة في مثلث «المحدث» سيحصل كل منها على مقسم فلاحي يمسح هكتارا ومسكنا يمسح 300 مترا مربعا منها 75 مترا مربعا مغطاة إلى جانب الدعم الفني والمالي من تاريخ غراسة النخيل إلى حين دخول المقسم طور الانتاج.


وعلى امتداد زهاء الساعتين عاينت «الشروق» تقدم مسار إحياء منطقة «المحدث» حيث تم إلى حد الآن حفر أربعة آبار جوفية من أصل17 بئرا مبرمجة لكامل المشروع وتوفر مياها عذبة لا تتعدى ملوحتها الغرام الواحد فيما انطلق مد قنوات الري وبناء القسط الأول من المساكن الذي يشتمل على نحو 320 مسكنا ستأوي الدفعة الأولى من المنتفعين بالمقاسم وعائلاتهم علما وأن توطين السكان في هذه البقعة سيتم على ثلاثة مراحل.


وفيما يتواتر صدى أزيز الجرافات لتفكيك الكثبان الرملية وبسطها حتى تتحول إلى مقاسم فلاحية جاهزة لزراعة النخيل بدأت صورة المشروع تتشكل من خلال التقدم الملحوظ في إنجاز الضيعة النموذجية لديوان رجيم معتوق حيث بلغت غراسات النخيل عامها الثاني ودخلت البيوت المكيفة طور الإنتاج الفعلي حيث بدأ جمع محصول البطاطا فيما أدركت غراسات البطيخ والفلفل طورا متقدما وتقدمت الغراسات في ست هكتارات ستختص في إنتاج الزيتون والخوخ واللوز والتين «كرموس» علما  وأن الضيعة النموذجية لديوان تنمية رجيم معتوق هي بمثابة المثال الجيد Le Bon exemple الذي يلهم المنتفعين لتحقيق أعلى معدلات المردودية داخل مقاسمهم.


وأكد العميد فائز بن رجب المدير العام لديوان تنمية رجيم معتوق في هذا الصدد أن تطوير الغراسات يتم بالتعاون الوثيق مع مؤسسات البحث العلمي الفلاحي على غرار معهد البحوث في الفلاحة الواحية بدقاش ومعهد الزيتونة ومعهد المناطق القاحلة وذلك بهدف اختيار أفضل المشاتل التي تتلاءم مع الخصوصيات الطبيعية للصحراء مشيرا إلى أن سنة 2023 ستشهد انطلاق غرس النخيل في القسط الأول من المقاسم الذي يشتمل على نحو 320 هكتار وذلك إثر استكمال كل الأشغال التمهدية بما في ذلك تشييد المساكن التي ستمنح للمنتفعين.


كما لاحظ أن إنجاز مشروع المحدث يمثل امتدادا لنجاح تجربة رجيم معتوق في تحقيق غاياتها الاقتصادية والاجتماعية ولاسيما الرفع من إنتاج التمور من صنف «دقلة النور» وإعمار الصحراء والحد من النزوح والهجرة.

وتابع أن مشروع المحدث سيمكن من إحداث واحات نخيل تمتد على طول 25 كلم وتمسح ألف هكتار وتوطين ألف عائلة إلى جانب توفير البنية الأساسية والمرافق اللازمة لتثبيت المنتفعين في هذه المنطقة على غرار المدارس والمستوصفات ومكاتب البريد والكهرباء والماء والطريق حيث تشرف وزارة التجهيز حاليا على تهيئة طريق بطول 40 كلم تربط «المحدث» بمدينة الفوار.

ولاحظ أن تصور المشروع استند إلى دراسات مائية أكدت وجود مدخرات هامة من المياه متدنية الملوحة يمكن أن تصل إلى ألف لتر في الثانية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال