الراحلة جنات لم تكن مجرّد صوت إذاعي يطلّ عبر الأثير، بل كانت امرأة استثنائية، تحدّت كل الظروف لتصنع من الإذاعة منبرًا تنقل من خلاله صوت المهمّشين وتُسهم في ترسيخ ثقافة الحقوق والمساواة. عرفها المستمعون والمستمعات من خلال برامجها الجادة والهادفة في إذاعة “أمل FM”، والتي كانت من أبرز المنصات الإعلامية الجمعياتية التي تُعنى بالقضايا المجتمعية من زوايا إنسانية.
جنات كانت من القلائل الذين لم يسمحوا لإعاقتهم الجسدية بأن تكون حاجزًا بينهم وبين الإبداع والإصرار على التأثير. بل على العكس، شكّلت تلك الإعاقة دافعًا قويًا لها لتكون نموذجًا يُحتذى به في الصمود والإرادة. فمنذ بداياتها في المجال الإعلامي، كانت تعرف تمامًا ما الذي تريد أن تقوله، ولمن، ولماذا. لم تكن تبحث عن الأضواء بقدر ما كانت تسعى إلى تسليط الضوء على من لا صوت لهم.
وبالإضافة إلى عملها الصحفي، كانت جنات رئيسة لجمعية “أمل”، التي تُعنى بذوي وذوات الإعاقة، وكان لها حضور مميز في مختلف الفعاليات الحقوقية والمدنية. نضالها لم يكن عابرًا أو موسميًا، بل كان متواصلاً، صادقًا، نابعًا من قناعة شخصية وتجربة معيشة حقيقية.
عدد كبير من الإعلاميين والنشطاء والمستمعين عبروا عن حزنهم العميق لفقدان جنات، مؤكدين أنها كانت من بين الأصوات النادرة التي حملت هموم الناس بصدق وتجرد، واعتبر كثيرون أن رحيلها ترك فراغًا كبيرًا في المشهد الإذاعي التونسي، خاصة وأنها كانت مثالًا يُحتذى في الالتزام الإعلامي النزيه والواعي.
وقد أصدرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بيانًا نعت فيه الفقيدة، مقدّمة أحر التعازي إلى عائلتها، وزملائها وزميلاتها في إذاعة “أمل”، وإلى كافة العاملين في القطاع الإعلامي، مؤكدة أن الصحفية جنات البرهومي ستظل رمزًا من رموز الإعلام الحقوقي في تونس.
كما نعَت العديد من الجمعيات المدنية والحقوقية الراحلة، مشددة على الدور الهام الذي لعبته في تعزيز حضور قضايا ذوي وذوات الإعاقة في الإعلام، والدفاع عن العدالة الاجتماعية من خلال صوتها الصادق.
نسأل الله أن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته، وأن يرزق أهلها وذويها جميل الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
Tags:
منوعات