تكشفت خلال الأيام الأخيرة خيوط فضيحة مالية كبرى تهزّ عدّة بنوك ومؤسسات إيجار مالي في تونس، إثر شهادات صادمة وتحقيقات إعلامية كشفت عن فساد ممنهج وتجاوزات خطيرة تُهدّد مستقبل المستثمرين الصغار، وسط غياب الرقابة وتدخل أطراف نافذة لحماية المتورطين.
بنوك تنهش المستثمرين وتخرق القانون
في تحقيق جريء بثّه الإعلامي محمد البوزيدي، تم فتح ملف من الحجم الثقيل يتعلق بتجاوزات موثقة لبعض البنوك التونسية، وخصوصًا في تعاملها مع رواد الأعمال والمستثمرين الصغار.
الحلقة التي أثارت موجة تفاعل، تضمنت شهادة مؤثرة لرائدة الأعمال فاطمة الطرابلسي، صاحبة مدرسة خاصة، أكدت خلالها أنها حصلت على قرض بقيمة 1.7 مليار دينار تونسي، لتتفاجأ بعد سنوات بطلبات سداد تفوق 4.5 مليار دينار، مما أدى إلى عرض مشروعها التربوي للبيع في المزاد العلني.
بيع الديون لشركات تابعة ومضاعفة المديونية
أكدت الطرابلسي أن البنك الذي تعاملت معه خالف منشور البنك المركزي التونسي بخصوص تسهيلات الدفع خلال جائحة كوفيد، حيث قام ببيع دينها إلى شركة إيجار مالي (ليزينغ) تابعة له، ما ضاعف القرض الأصلي بشكل مرعب.
وتابعت:“الآن، أدفع إيجارًا شهريًا لمدرستي بـ41 مليون دينار لمدة 10 سنوات، رغم أنني المؤسسة وصاحبة المشروع.”
شبكة فساد مترابطة بين البنوك ومكاتب الدراسات
خلال النقاش، أشار الخبير بدر الدين بلعيد إلى أن هذه الممارسات لا تعكس حالات فردية، بل هي جزء من منظومة فساد مالية متكاملة تشمل بنوكًا، شركات تأمين، شركات إيجار مالي، وحتى مكاتب دراسات.
وأوضح:"المنافس قد يكون شريكًا في البنك الذي تقترض منه… وضعت رأسك في فم الأسد دون أن تدري."
بلعيد حذّر من وجود مافيا مالية تستغل ثغرات القانون لتحاصر المستثمرين وتعصف بممتلكاتهم عبر مزادات صورية تنتهي ببيع أصولهم لأطراف مقرّبة.
غياب الرقابة وتواطؤ بعض الإدارات
التحقيق أثار كذلك علامات استفهام حول دور الجهات الرقابية وعلى رأسها البنك المركزي، وسط اتهامات بـ"اللامبالاة" و"العجز عن فرض القانون".
كما تحدث الناشط السياسي معز الزغيدي عن وجود ما سماه "الإدارة العميقة"، التي تعمل على تحييد الوزراء الجدد وإغراقهم في البروتوكولات، مما يمنعهم من تنفيذ الإصلاحات الحقيقية.
وأشار إلى أن العديد من الوزراء تعرّضوا للتضليل من قبل "بطانة فاسدة" ترفض كل محاولة تغيير.
هيئة مكافحة الفساد… هيئة مغيّبة وصوت المواطن مختنق
في الشارع، عبّر مواطنون عن خيبة أمل من حل هيئة مكافحة الفساد، مشيرين إلى ضرورة إعادة تفعيلها مع تعيين أعضائها بالانتخاب لضمان استقلاليتهم.
إحدى الشهادات المؤلمة جاءت من مواطن قال:“بلغت عن الفساد منذ 2012 وقدّمت ملفات لرئاسة الجمهورية، لكني وجدت نفسي ملاحقًا بالقضاء بدلًا من أن أُحمى”.
نداء أخير: إما إصلاح أو زوال
في ختام الحلقة، وجّه الإعلامي محمد البوزيدي تحذيرًا حادّ اللهجة قائلاً:"إذا لم يبدأ الإصلاح الآن، فإن الجراد سيلتهم ما تبقى من الدولة".
وأضاف:"بحوزتي وثائق خطيرة، لو نُشرت، لما خرج كثير من المسؤولين من بيوتهم."
هل نعيش بداية تفكك المنظومة البنكية في تونس؟
يبقى السؤال مطروحًا:
هل هذه التحقيقات ستُترجم إلى تحقيق قضائي شامل ومحاسبة فعلية، أم ستُضاف إلى سجلّ طويل من الصمت والتواطؤ والافلات من العقاب؟
تابعوا موزاييك نيوز أولًا بأول لكشف جديد حول هذا الملف الساخن وتطوراته القضائية المحتملة.