وليد ‏الوقيني ‏: منظومة ‏فاسدة سوف ‏ترحل ‏عن ‏البلد ‏وهذا ‏مصيرها... ‏

في تدوينة مطولة نشرها اليوم الخميس 29 افريل 2021، على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، قال القاضي و الناشط السياسي السيد وليد الوقيني ان هذه المنظومة الفاسدة  سوف ترحل عن البلد . وفيما يلي نص التدوينة:

البعض يعتقد  أن جوهر  الصراع السياسي  هي المعركة  بين التيارات  الدينية و التيارات  المدنية  ، و البعض الآخر  يتوهم  أن المعركة  السياسية  في منزعين  شق الثورة  و شق رفض الثورة  ،  هذا الصراع  و ان  كان مطروحا  و له عدة  تمظهرات  واقعية  تدلل  عليه  و بشدة  ،  إلا أن اختزال  كل المعركة  فيه يعد قراءة  خاطئة  للواقع  التي سينتج  عنها  بطبيعة الحال اهداف  منقوصة  لأي مشروع السياسي  ،  و سيترتب  عنها  فشل اي منظومة  حكم  ستأتي بعد هذه المنظومة  .  

اليوم و بعد عشر سنوات  و سنة احدى  عشر  شارفت  على الانقضاء  منذ 14 جانفي 2011 آن الاوان  أن نفهم  أن الثورة  قد قبرت  بمخرجات  اعتصام  القصبة 2  الذي لم يكن بالمرة وفيا لتطلعات  الشعب آنذاك  بل كانت مجرد  تفاهمات  بين مجموعة من الاحزاب السياسية  عقدت  على جسد النظام  الذي سقطت  رموزه  و الدولة  المنهكة الضعيفة  نتيجة لذلك  ،   فخيار الذهاب  لمجلس وطني تأسيسي  لم يكن شعار الشباب  المنتفض  بل هذا الشعار  طرحه اعتصام  القصبة 2 على يد الاطراف  السياسية  المشاركة  فيه ، و هذا الخيار  كان اهم  مخرج  لاعتصام  القصبة 2  لما له من تداعيات  فيما  بعد على الحياة  السياسية  في تونس  و الدولة  ،  و ربما  تعليق العمل  بدستور 1959  و  حل البرلمان  آنذاك كان أقصى ما يمكن  أن تقدمه  المنظومة  حينها  من تنازلات  اقصد منظومة  ما قبل 14 جانفي  و لا اقصد  هنا التجمع الدستوري  الديمقراطي  إذ الحزب الحاكم  ليس الا جزء من المنظومة  و قد وقع حله  و فقد  نجاعته  التنظيمية و قد كان من ضمن التضحيات  التي قدمتها  المنظومة  نفسها   ، لكن بقيت  المنظومة  الموجودة  في كل جسد الدولة  في وضع صعب  لكنها  على قيد الحياة  ،  طبعا عندما  قلت  اقصى  ما يمكن  أن تقدمه  لا اقصد طبعا  أن النظام  لم يقدم  تنازلات  اخرى  جاءت  اغلبها  في خطاب  بن علي في ليلة 13 جانفي 2011  لكنها حينها  كانت تنازلات  لتحسين  منظومة الحكم  لا لتغييرها  فالاقرار  بحرية  الصحافة  و فتح  مواقع التواصل الاجتماعي  و  التعبير  عن نية  عدم  الترشح  لانتخابات  2014 من قبل رئيس الجمهورية  آنذاك يعني كل المسائل  الحقوقية  كان اقرها  الرئيس  بن علي نفسه  تحت ضغط  الانتفاضة  الشعبية  ،  لكن لم يكن ذلك  كافيا  مما أدى بالمنظومة  إلى تقديم تنازلات  اكبر  بعد 14 جانفي  و ذلك  باسقاط  النظام  السياسي  نفسه  من خلال تعليق العمل  بالدستور  فسقط  النظام السياسي بعد اعتصام  القصبة 2 لكن لم تسقط  المنظومة  ،  إلا انه صار واضحا  أن من كان يحكم  فعلا  ليس النظام  بل المنظومة   التي دأبت  إلى انشاء قوالب  معاملات  و ادارة  للدولة  و مؤسساتها  بمجموعة  من النظم  التي بقيت  على حالها  و لم تتغير إلى الآن  . 

بعد انتخابات  2011  لأعضاء المجلس  الوطني  التأسيسي  كانت الغاية  الاساسية  هي صياغة  نظام سياسي  جديد  و كانت حكومة الترويكا  و على رأسها  حركة النهضة  و شركاءها  في الحكم آنذاك حزب المؤتمر  من أجل الجمهورية    و حزب   التكتل  الديمقراطي  من أجل العمل و الحريات  اعلنت صراحة  بعد  انتخابها  عن طريق قياداتها  التي حضرت  في  المنابر الاعلامية  انها  ستشن  حربا  على المنظومة  و قد قال آنذاك  احد  تلك القيادات  في منبر  تلفزي  على الوطنية  الاولى  " أن هناك  عمليات  جراحية  مؤلمة  ستحصل  لا بد أن نتحملها  جميعا  "  استوعبت المنظومة آنذاك  أن القادمين  الجدد  لا ينوون  فقط تغيير  النظام السياسي  بل كانو  يعتزمون  تغيير  المنظومة  التي تربت  عليها  كل مؤسسات  الدولة  .  

في الواقع النية  في تغيير  المنظومة  في جانبها  الفاسد  سواء  من خلال تغيير  النصوص القانونية  أو عزل  الفاسدين  ،  كفكرة عامة كانت جيدة  و لا يمكن  أن يعترض  عليها  احد  ،  حتى أن جزء  من ابناء  نظام  ما قبل  14 جانفي 2011  سواء من سياسيين  أو اداريين   كانو عبروا  عن استعدادهم  لهذا التمشي لانجاح  المفعول  الحقيقي  ل 14 جانفي  ،  لكن هناك  مسائل  اطاحت  بهذا المنزع  اذ  ان محاولت  حزب حركة النهضة  التغلغل  في مفاصل الدولة  و  القيام  بعملية  عدالة  انتقالية  على المقاس  و محاولة  تغيير  نمط  عيش التونسيين  و السكوت  عن الجماعات  المتطرفة  و عدم  الحزم  في البت  في عديد المشكلات  السياسية  و الاقتصادية  و التحديثية و  الانحياز  لجهة دون اخرى  في العلاقات  الدولية  كلها كانت عوامل  اضعفت  صدقية المشروع  و تحول  من مشروع اصلاح  دولة  إلى مشروع  تمكين  من الدولة  ، هذا إلى جانب  عدم  النجاح  في ادارة  الآلة  العظيمة  المسمات  بالدولة في مختلف الميادين  ،  الأمر الذي بسببه  صارت  المنظومة الجديدة  غير مختلفة في ميكانزمات  العمل  عن المنظومة  القديمة  و ربما في بعض المواقع  كانت أشد فساد منها .  

بعد اعتصام  الرحيل  و التوافق  بين  المنظومتين  و  نجاح  الحوار  الوطني  في تلافي  حرب اهلية  وشيكة  ،  كان مشروع الحكم  فيما بعد 2014  قائم  على اساس  اقتسام  كعكة  الدولة  الضعيفة  بين المنظومتين  ،   فزاد حجم الفساد  بل أن وجوها  كنا نخالها  ستغيب  نهائيا  عادت و بأكثر فاعلية  و اكثر  تمعش  في شتى الميادين  و القطاعات  ، بل أن حركة النهضة  المحسوبة  على الشق الثوري صارت  تعتبر  هذا التوافق انجازا  باعتبار  أن الشق المقابل  كانت له الدراية  الكافية  باسرار  الدولة  و كيفية  سير دواليبها  ،  لكن حتى هذا التوافق تم افساده  من خلال تعيين  شخصيات  في مناصب  حساسة  في الدولة  اما غير  كفأة  أو فاسدة  ،  و ربما  ما تحقق  هو انغماس  المنظومة  الجديدة نفسها  في نفس منطق المنظومة  المقابلة  ،  و نتج عن ذلك مباشرة استفحال الفساد  و عجز  الدولة  الذي نراه  نحن الان  ، و لعل انتخاب  قيس سعيد  يأتي  في اطار  يأس  الشعب  من المنظومتين  و اللتان  الان  يبذلان  الغالي  و النفيس  للحفاظ  على المكتسبات  التي تحققت  في الفترة  الممتدة  بين 2014 و 2020  . 

طبعا الاخطاء و ربما الجرائم  المقترفة في حق الدولة  و الشعب  بعد 14 جانفي  كثيرة و متعددة  لها ابعاد امنية  و اقتصادية  و اجتماعية ....  لكن لو اردنا  ان نجعل  عنوانا  لكل هذه الاخطاء  و الجرائم  لقلنا  انها  تأتي كلها  تحت عنوان  الفساد  و المنظومة  الفاسدة  التي بعد زواج  لخمسة  سنوات  انجبت  لنا مسخا  اسمه  منظومة  حكم تحسب  نفسها  على شق الثورة  و الحال أن طيفا  كبير  من الشق  المحسوب  على الثورة  أعلن فك الارتباط  بهذه المنظومة  كما أنها تحاول  هذه المنظومة  أن تقنعنا  بانها  مع الدولة  الوطنية  و امتداد  لها  و الحال أن الحزب  الدستوري  الحر  مثلا  المتبني  لهذا الطرح  يعلن  الصراع الشرس  على هذه المنظومة  . 

طبعا اليوم الجميع يطرح  سؤال مالمطلوب  و من الواضح  أن هذه المنظومة  متشبثة  بكل ما اوتيت  من قوة  و تقاوم  اي مد  تصحيحي  مهما  كان نوعه  و مأتاه  حتى من داخلها  و كذلك  من الناس  و التيارات  التي كانت في تاريخ  ما قريبة  منها  ، بل و كانت  معها  في نفس الخندق  ،  اليوم  واقعيا  قيس سعيد  و المعارضة  بكل اطيافها  ، شكلت  عائقا  امام  تمدد  هذه المنظومة  و مواصلة  تصرفها  بنفس الاريحية  التي كانت عليها  بين 2014 و 2020  ،  و ما عمق  ازمتها  هي التغيرات  الجيوسياسية و ازمة الكورونا  التي عرت  كل عيوبها ،   لكن ليس من الوارد  أن يستمر  الوضع  على ماهو  عليه  من شلل اقتصادي  و ركود بل تأخر  في معدلات  النمو  ، كما أن التقارير  الاخيرة  لصندوق  النقد الدولي  و تصريح  السفير  السابق  للاتحاد  الاروبي في تونس  صارت  تشهر  صراحة  بفساد  هذه المنظومة  التي صار  الكل في الداخل  و الخارج  صار يعلم  أن الشأن التونسي  لن يقع  اصلاحه  ببقاءها  على سؤدة  الحكم  ، أن كان 14 جانفي زلزال  سياسي  استطاع الجميع  التحكم  فيه و ترويضه  و الاستثمار  فيه ، فإن القادم  للحياة السياسية  في تونس  لو تواصل  الامر  على ماهو  عليه  سيكون  بركانا  على ارض  مهتزة  ، المعركة الان  لم تعد  مجرد  معركة سياسية  بل صارت  معركة  مصير  دولة  و شعب  ضد مجموعة  اشتغلت  على كل المصطلحات  و القيم  النبيلة  لتثبيت  حكمها  الفاسد   

#وليد_الوقيني

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال