لما لا نتوقف عن مشاهدة مسلسل “شوفلي حل”؟.. إليك الأسباب الخفية لذلك.. (06 أسباب)

يمكن القول، ودون أي تردّد منذ البداية، إنه المسلسل الكوميدي الأكثر جماهيرية في تاريخ التلفزيون التونسي منذ نشأته. هو ليس مجرّد عمل كوميدي بل مزيج من ذاكرة التونسيين وعصارة قضايا مجتمعهم في قالب فني ساخر. نتحدث عن “شوفلي حل” المسلسل المرجعي لكوميديا الموقف (سيتكوم) في تونس، كما “فراندز” في الولايات المتحدة، و”يوميات ونيس” في مصر، و”جميل وهناء” في سوريا. والمقصود بالمرجعية هو نموذج عن نجاح المسلسل فنيًا وجماهيريًا مقارنة بأي وقت مضى، وتمثّله لدى النقاد والمشاهدين أيقونة عن هذا الصنف الكوميدي (سيتكوم) ومرجعًا للمقارنة أمام الأعمال من ذات الصنف طيلة السنوات وربما العقود اللاحقة.



المسلسل الذي أنتج على مدى 6 مواسم من 2005 إلى 2009 (عرض موسمين في عام 2006) ويتضمن 134 حلقة، لازالت تبثه لليوم قناة “الوطنية 2” (عمومي) دون انقطاع حتى يسخر البعض بأنها “قناة شوفلي حل”. واللافت أن المسلسل لازال يحقق نسب مشاهدة مرتفعة لدى مختلف الشرائح العمرية، بل ولازال لليوم، بعد ما يزيد عن 15 سنة منذ أول عرض، مصدرًا لجذب الإشهارات متفوقًا بذلك على أعمال تُعرض لأول مرة.

“لماذا مازال المشاهد التونسي وفيًا لمشاهدة المسلسل حتى الآن”، هو سؤال يفرض نفسه إذا اعتبرناه نبشًا فيما يشكّل وعي الناس، والتعرّف على ما يشدّهم ويضحكهم أيضًا. هو بحث عن سرّ النجاح المستدام للعمل الذي يحصد في كل مرّة جمهورًا جديدًا، وحفر يأتي بعيدًا عن الاستعلاء على التلفزيون بماهو وسيط استهلاكي مزيّف للفن والجمالية وفق البعض، وأيضًا بعيدًا عن احتقار العمل الكوميدي باعتباره ملهاة وفق البعض الآخر. فـ”شوفلي حل” هو ظاهرة ببساطة تستدعي الاهتمام.

كمشاهد محبّ للعمل ومهتمّ يثيره البحث عن إجابة للسؤال المطروح، يبدو أن 6 أسباب رئيسية على الأقل كفيلة لتفسّر لنا “سّر” نجاح هذا العمل التلفزي الذي بات ركنًا قارًا في بيوتنا:

✅ كوميديا موقف بطابع تونسي

يقوم “شوفلي حل” على كوميديا الموقف وأكثر دقة هو من نوع هذه الكوميديا التلفزية (سيتكوم) التي تتكوّن من خصائص معلومة وهي وحدة المكان وعدد محدود منالشخصيات وطرح مواضيع تتلاءم غالبًا مع الزمن الراهن بشكل ساخر. وإن كان فن الإضحاك من أصعب الفنون، فإن الإضحاك بالموقف هو الأكثر تحديًا. يقوم أي “سيتكوم” على ديكورات ثابتة وبسيطة وشخصيات قارة لا تتغيّر ملامحها عمومًا إضافة لمحاور أو خطوط عامة مستقرّة للسيناريو، وبالتالي أول رهان هو أن تقدم عملًا جاذبًا ويستجيب للذائقة الجمالية، الكاتب هو كلمة السر.

عائلة سليمان الأبيض.. عائلة تشبهنا

تبدو شخصية “سليمان الأبيض” نخبوية لوهلة أولى: طبيب نفساني وعضو في جمعية “أحباء فرويد” وأستاذ جامعي، ولكن لم يكن كذلك حقيقة، إذ نزّل الكاتب حاتم بالحاج هذه الشخصية في بيئتها الاجتماعية وخلفيتها الثقافية في ثنايا حياتها اليومية، فظهر ربّ الأسرة قريبًا من أي مواطن/مشاهد الذي لا يشعر بأي دونية اجتماعية أو معرفية أمام الطبيب النفسي الذي جعله الكاتب قريبًا منا. هذا التنزيل هو أحد مظاهر واقعية النص.

تبدو يوميات هذه العائلة شبيه بيوميات أي عائلة تونسية: الابنة التي تريد زيادة مصروفها وتفضل “أكل الشارع”، الزوجة التي تريد دائما تحسين نمط حياتها، التنافس الطريف بين الأم والكنة، حوار الأب مع بناته الذي يذكرنا بحوارات أبائنا معنا، وحكايات أخرى تجعلك أثناء مشاهدتك أحيانًا تستذكر بعض تفاصيلك، التي كنت تراها هامشًا، فتعيد الاعتبار إليها. على مدى 6 مواسم وعشرات الحلقات، نرى أنفسنا كثيرًا في هذه العائلة.

✅ عن “الضمار التونسي”



هل جعلك “شوفلي حل” تضحك دون توقّف؟ ربمًا ولكن ليس كل حلقة، ولكن الأهم أنه يُضحكك أو يجعلك تبتسم في كل الأحوال. وهكذا هي أعمال كوميديا الموقف، التي تستمر على مواسم وحلقات، فهي ليست عملًا يتركّز على الإضحاك الهستيري للمشاهد، بل يقوم على عرض مواقف طريفة تستطيع أن تخطف ابتسامة المشاهد تلقائيًا على مدى زمني مستمرّ. 

ولكن فلنسأل أنفسنا أيضًا: هل يوجد ما يضحكنا اليوم؟ عمل كوميدي يُضحك دون تهريج؟ ربمًا ليس ظلمًا الإجابة بالنفي. أعمال كوميدية ضعيفة، وانتشار لـ”تلفزيون القمامة” بعد الثورة حيث تعمّ الرداءة في أوقات الذروة (البرايم تايم)، حينما تقلّب بين القنوات التونسية تبحث عن مادة ترفيهية، ربّما لا تجد إلا “شوفلي حل” في “الوطنية 2”. قديم وجميل أفضل من جديد ورديء. أليس كذلك؟

✅ الحنين إلى الماضي

يحب تونسيون أيضًا مشاهدة “شوفلي حل” لأنه يذكرهم ببساطة بالماضي الذي يحنّون إليه. عرض المسلسل لأول مرة عام 2005 وتواصل بثه إلى غاية عام 2009 أي قبل عام واحد من الثورة ضد نظام بن علي، هو إذًا شاهد مثالي عن ماضي ما قبل الثورة. يتحول المسلسل هنا كأنه عمل توثيقي للذاكرة الجماعية.

العلاقة بالأم.. شيء منا

هل توجد علاقة “مقدّسة” في حياتنا أكثر من علاقتنا بالأم؟ الأم، بين الابن والابن من تبجّل؟ والابن، بين الأم والزوجة من يقدّم؟ “شوفلي حل” يقدم وجبة يومية لا تكاد تغيب في كل حلقة تسطّر فصولًا من علاقتنا الحميمية بالأم، بين “الأم فضيلة” وابنها الأكبر “سليمان” وابنها الأصغر “السبوعي”. نحن نحبّ دائمًا برّ الوالدين وحنان الأم التي نحمل عاطفة لها لا يكيلها ميزان خاصة نحن الأبناء الذكور.

 نعم.. هو مسلسل عائلي

هل تستطيع أن تشاهد “شوفلي حل” وسط عائلتك دون حرج؟ الإجابة نعم. ربما قد ينجح جماهيريًا مسلسل يحتوي على مشاهد خليعة أو ألفاظ سوقية، ولكن يُشاهد على الأنترنت وليس على التلفزيون مع العائلة. لا يحتوي “شوفلي حل” على مشاهد تخدش الحياء العام، ولا على ألفاظ غير مستعملة في الوسط العائلي. ولكن لا يعني ذلك أنه لم يكن جريئًا أحيانًا، إذ تناولت حلقات مواضيع توصف عادة بأنها لا تتناسب مع المشاهدة العائلية مثل الحلقة التي تناولت فرضية العجز الجنسي للسبوعي أو حتى حلقة “الشلطة” (الحمل) التي يراها البعض غير مناسبة، ولكن جاء العرض في قالب طريف ينزع عن الجرأة صبغتها المُحرجة في المشاهدة العائلية.



بالنهاية، نحن نشاهد “شوفلي حل” ونعيد، ليس فقط للمواقف الطريفة التي نعرفها سابقًا وربما لن تضحكنا مجددًا كما أضحكتنا أول مرة، ولكن أيضًا لأنه مرآة فنية عن واقعنا. لا يوجد مسلسل شرّح المجتمع التونسي وتعمّق في الشخصية التونسية، بشكل لا يتعالى على وعي المشاهد أو يستخفّ به، وفي قالب طريف جاذب بعيدًا عن الابتذال والتهريج، مثل هذا العمل الظاهرة، ولذلك لا نملّه ونحب مشاهدته دائمًا.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال