هذه الصورة تعكس عودة الامور الى سياقها الطبيعي وفق قوانين السياسة وأعرافها السليمة، فأن يلتقي قادة الرأي والسياسة على روح التعاون والتآزر لإخراج البلد من الهوة العميقة التي دفع نحوها الانقلاب، فهذا شيء مطلوب ومحمود، وغياب مثل هذا التنسيق هو ما يعاب ويذم.
احدى الدروس المستخلصة من تجربة العشرية الأخيرة تتلخص في كون السياسي، هو المؤهل دون غيره لقيادة البلد ، خصوصا في مرحلة الازمات والمنعطفات الكبرى.
السياسي في الغالب الأعم هو من تمرس بإدارة الشأن العام وعايش دروبه ومنحنياته أكثر من غيره، أما التكنوقراط، فقد بينت التجربة أنهم يتقدمون الصفوف في المغانم ويهربون في المكاره، الا من رحم ربك، وقليل ما هم. فمن عبر اليوم من بين التكنوقراط عن موقف واضح أو بيان ساطع في وجه الانقلاب والانقلابيين ؟ من غامر بتحمل الأعباء دفاعا عن الدستور والديمقراطية وقد كانوا الى وقت قريب يتقدمون الصفوف ويتزاحمون على المواقع والمناصب؟
وأسوأ من صنف التكنوقراط على الاطلاق، وجود أشخاص مجهولي الأصل والفصل في مواقع المسؤولية وعلى رأس الدولة دون سابق اختبار أو تمحيص، فلا تعرف كيف يفكرون أو كيف يتصرفون في الأوضاع الطبيعية والاستثنائية، وفي العسرة واليسرة.
والأشد خطورة حينما يختطفون الدولة بتمامها وكمالها ولا يدرون ماذا يفعلون بها، مثلما يختطف طفل صغير لعبة الكترونية من أترابه ولا يعرف كيف يشغلها أو يوجهها.
الأستاذ نجيب الشابي قد تختلف معه في مسائل قليلة أو كثيرة ، وقد تعيب عليه هذا الموقف أو ذاك في الأمس أو اليوم، ولكن الجميع يعرف مسيره السياسي الطويل ، وكيف يفكر وعلى أي نحو يتصرف في السراء والضراء، وعند الاتفاق والاختلاف.
بلغة اخرى اذا اتفقت او تخاصمت مع الشابي واذا التقيت أو اقترفت معه، فإنه سيظل يتحرك ضمن سقف الشرعية والدستور، وفي إطار المربع الديمقراطي وقواعد اللعبة التي ارتضاها الجميع بداية ونهاية.
هذا هو الفرق بين نجيب الشابي وقيس سعيد . الأول اذا اختلفت معه فإنه سيتصرف بروية ومسؤولية، والثاني لا تأمن اذا اختلفت معه أن تاخذه العزة بالإثم في لحظات الغضب والانفجار "غير الثوري"، فيهدم السقف على رؤوس الجميع ويحرق الارض ومن عليها على طريقة نيرون روما.
Tags
مقالات رأي