هل تحوّلت الغلطة الصغيرة في تونس إلى حكم مؤبّد اجتماعي؟

هل تحوّلت الغلطة الصغيرة في تونس إلى حكم مؤبّد اجتماعي؟

في تونس، آلاف من الشباب يقبعون اليوم في السجون بسبب أخطاء بسيطة، لا ترتقي إلى مستوى الجرائم الخطيرة: شجار في لحظة غضب، تجاوز قانوني محدود، تصرّف طائش لم يكن بنية إجرامية. 

لكن العقوبة، وإن انتهت قضائيًا، فإنها لا تنتهي اجتماعيًا، حيث تصبح بطاقة عدد 3 الموسّخة بمثابة حاجز دائم يمنع صاحبها من العمل والاندماج من جديد في المجتمع.

الغلطة الصغيرة… والعقوبة الكبيرة

بمجرّد الخروج من السجن، يواجه هؤلاء الشباب واقعًا مريرًا: لا يمكنهم العمل في وظيفة عمومية، ولا في شركات محترمة، ولا حتى في بعض المؤسسات الخاصة التي تشترط نظافة السوابق العدلية. هذا الوضع يُفضي إلى تهميش كامل، ويدفع الكثيرين، للأسف، إلى العودة لنفس الأخطاء من أجل البقاء، ما يُدخلهم في حلقة مفرغة من التكرار والسجن.

مقارنة مع تجارب دولية: مصر نموذجًا

في خمسينيات القرن الماضي، أطلقت السينما المصرية فيلمًا شهيرًا بعنوان "جعلوني مجرمًا" من بطولة فريد شوقي، سلط الضوء على نفس المشكلة. وقد كان لهذا الفيلم تأثير مباشر، حيث عدّلت السلطات حينها القانون وسمحت بمحو السابقة العدلية الأولى، ومنحت المحكومين فرصة ثانية للحياة والعمل والاندماج.

كما أفرز فيلم آخر بعنوان "كلمة شرف" إصلاحًا تشريعيًا تمثّل في تمكين السجين من الزيارة الاستثنائية، مراعاة للجوانب الإنسانية والاجتماعية.

تونس بعد الثورة: العفو دون إصلاح فعلي

شهدت تونس بعد الثورة إطلاق سراح عدد كبير من السجناء في إطار العفو العام. كثير منهم تمكنوا من العودة إلى حياتهم العادية رغم أن قضاياهم كانت أحيانًا أكثر خطورة. اليوم، نحن لا نطالب بعدم المحاسبة، ولا بإلغاء العقوبات، بل نطالب بـقانون يفرّق بين الجريمة المنظمة والخطأ البسيط، بين المجرم العائد والمواطن الذي يستحق فرصة جديدة.

لا مستقبل دون فرصة ثانية

الحبس قد يكون وسيلة تهذيب وإصلاح، لكن بطاقة السوابق العدلية (بطاقة عدد 3) لا يجب أن تكون حكمًا مؤبّدًا على مستقبل الشباب. إنّ من ارتكب غلطة بسيطة وقضى عقوبته، يجب أن يُمنح فرصة ليعود إلى المجتمع، ويعمل، ويعيش بنظرة نظيفة دون وصمة دائمة.

دعوة للتشريع والرحمة

نحن اليوم بحاجة إلى إصلاح تشريعي واضح يعيد الاعتبار لمفهوم العدالة الإصلاحية. قانون يُراعي الطابع البسيط لبعض الجرائم، ويمنح الحق في تنقية السوابق العدلية بعد فترة معينة، لمن أثبت حسن السيرة والسلوك.

 ❝ الغلطة لا يجب أن تدمّر مستقبلًا بالكامل… العقوبة يجب أن تنتهي عند باب السجن، لا أن تبقى تلاحق صاحبها إلى قبره. ❞


أحدث أقدم

نموذج الاتصال