مع انطلاق السنة الدراسية والجامعية الجديدة في تونس، تواصل قضيّة إصلاح قطاع التربية والتعليم تصدّر المشهد الوطني. وفي هذا السياق، أشرف رئيس الجمهورية قيس سعيّد يوم الأحد 15 سبتمبر 2025 على اجتماع موسّع ضمّ عدداً من أعضاء الحكومة إلى جانب أعضاء المجلس الأعلى للتربية والتعليم، وذلك للتباحث حول التحديات المطروحة والحلول الممكنة للنهوض بالمدرسة والجامعة التونسية.
اجتماع على أعلى مستوى
حضر اللقاء وزراء بارزون من بينهم:
- خالد النوري وزير الداخلية،
 - رشيد العامري وزير النقل،
 - نور الدين النوري وزير التربية،
 - الصادق المورالي وزير الشباب والرياضة،
 - رياض شوّد وزير التشغيل والتكوين المهني،
 - أحمد البوهالي وزير الشؤون الدينية،
 - أسماء الجابري وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن،
 - أمينة الصرارفي وزيرة الشؤون الثقافية.
 
ويأتي هذا الاجتماع ليؤكد اهتمام الدولة بالعودة المدرسية والجامعية، التي تمثل لحظة مفصلية كل عام، ليس فقط للتلاميذ والطلبة، بل للأسرة التربوية والمجتمع بأكمله.
إصلاح حقيقي لا شكلي
في مستهلّ الاجتماع، شدّد رئيس الجمهورية على أنّ الإصلاح التربوي لا يمكن أن يكون مجرّد شعارات أو خطوات شكلية، بل يجب أن يكون شاملاً وجذرياً. وأوضح أنّ التجارب السابقة، التي رُوّج لها على أنّها إصلاحات، أثبتت فشلها لأنها لم تقدّم حلولاً فعلية، بل زادت من تعميق الأزمات التي يعيشها قطاع التعليم.
وأشار سعيّد إلى أنّ المجلس الأعلى للتربية والتعليم، الذي نصّ عليه الدستور، تم إنشاؤه لضمان استقلالية القطاع عن التجاذبات السياسية والإملاءات الخارجية، مؤكداً أنّ المدرسة التونسية يجب أن تكون فضاءً وطنياً خالصاً يُعنى بتنشئة الأجيال الجديدة وفق قيم السيادة والهوية الوطنية.
التعليم: حق للجميع مثل الماء والهواء
من أبرز الرسائل التي وجّهها رئيس الجمهورية خلال هذا الاجتماع تأكيده أنّ التعليم حق أساسي لا يقلّ أهمية عن الماء والهواء. وأضاف أنّ التربية الوطنية والثقافة والتعليم تُعتبر قطاعات سيادية، إذ يقع على عاتقها صناعة أجيال جديدة قادرة على حمل المشعل وضمان استمرارية الدولة والمجتمع.
كما حذّر سعيّد من مخاطر تدهور المنظومة التعليمية، معتبراً أنّ التخريب الممنهج الذي طال البرامج والمناهج ووسائل النقل والبنية التحتية كان له أثر مباشر في ارتفاع نسب الأمية وتراجع مستوى التحصيل العلمي. وأكد أنّ الهدف يجب أن يكون القضاء التام على الأمية، باعتبار أنّ وجود حتى مواطن واحد أمي يُعدّ إخفاقاً وطنياً.
ضرورة تكافؤ الفرص
من القضايا الجوهرية التي تطرّق إليها رئيس الجمهورية مسألة تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ في مختلف جهات البلاد. وأوضح أنّ الدستور يفرض إلزامية التعليم إلى حدود سن السادسة عشرة، ما يضع على عاتق الدولة واجباً دستورياً في توفير الظروف الملائمة والوسائل اللازمة لكل الأطفال دون استثناء.
ولفت إلى أنّ غياب العدالة في توزيع الموارد والبنية التحتية بين المناطق الحضرية والريفية ساهم في خلق فجوات اجتماعية وتعليمية، الأمر الذي يتطلب معالجة عاجلة وشاملة.
حماية التلاميذ وضمان سلامتهم
لم يغفل سعيّد في كلمته البعد الأمني والاجتماعي للعملية التربوية، حيث شدّد على أهمية حماية التلاميذ والطلبة من مختلف أشكال الانحراف والجرائم، وعلى رأسها ظاهرة المخدرات التي تهدد النسيج الاجتماعي.
وفي هذا الإطار، وجّه تعليمات واضحة بضرورة تكثيف الدوريات الأمنية في محيط المدارس والمعاهد لضمان بيئة آمنة، إلى جانب مضاعفة الجهود لتأمين النقل المدرسي وتسهيل تنقّل التلاميذ، خاصة في المناطق الداخلية والريفية.
مسؤولية مشتركة
كما دعا رئيس الدولة جميع الأطراف المعنية – من وزارات ومؤسسات تربوية وأولياء ومجتمع مدني – إلى الانخراط الفعّال في عملية الإصلاح، مشدداً على أنّ التعليم قضية وطنية جامعة لا يمكن أن تتحقق فيها النقلة النوعية دون تعاون جماعي وتنسيق محكم.
وأشار إلى أنّ تراكم الأزمات طيلة عقود لا يمكن أن يُحلّ بين ليلة وضحاها، لكن الإرادة الصادقة والعمل الميداني كفيلان بإحداث التغيير المرجو.
تونس منارة للإبداع
في ختام الاجتماع، استحضر رئيس الجمهورية تجارب التونسيين الذين أبدعوا في مختلف المجالات سواء داخل البلاد أو خارجها، مؤكداً أنّ تونس كانت ولا تزال منارة للإبداع والفكر. وأعرب عن يقينه بأنّه متى توفرت الظروف المناسبة، فإن الشباب التونسي قادر على التفوّق والابتكار والمساهمة في بناء مستقبل أفضل للبلاد.
دلالات الاجتماع ورسائله للمستقبل
يأتي هذا الاجتماع ليؤكد أنّ إصلاح التعليم في تونس لم يعد خياراً بل ضرورة ملحّة. ففي وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة، يظلّ التعليم أحد أهم المفاتيح لتحقيق التنمية المستدامة وبناء مجتمع متوازن.
كما أنّ التركيز على استقلالية المنظومة التربوية عن التجاذبات السياسية يرسل إشارة إيجابية للرأي العام، مفادها أنّ الدولة عازمة على وضع مصلحة الأجيال القادمة فوق كل اعتبار.