بالصور/ سنية الدهماني بعد عام ونصف من سجنها: قراءة معمّقة في مسيرة إعلامية وقانونية أثارت الجدل في تونس

تعود قضية المحامية والإعلامية التونسية سنية الدهماني إلى واجهة النقاش العمومي من جديد بعد مرور سنة ونصف على دخولها السجن عقب تصريحات إعلامية أثارت ردود فعل متباينة في الساحة السياسية والحقوقية. ورغم غيابها القسري عن الإعلام، ما تزال صورتها بارزة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتناقل المتابعون مقاطع قديمة وتحليلات قانونية كانت تقدّمها في برامج تلفزية مختلفة.

هذه العودة القوية في النقاشات العامة تأتي في سياق وطني يتسم بحساسيته، خاصة فيما يتعلق بمسائل حرية التعبير، استقلال القضاء، والحدود التي تفصل بين العمل الإعلامي والمساءلة القانونية.

هذا المقال يستعرض أبرز محطات مسيرتها، السياق القانوني لقضيتها، ردود الفعل التي رافقتها، إضافة إلى قراءة تحليلية للمشهد الإعلامي في تونس خلال المرحلة الراهنة.

مسيرة مهنية ثرية بين المحاماة والإعلام

اختارت سنية الدهماني، منذ بدايات حياتها المهنية، الانخراط في المجال القانوني من بوابة المحاماة، حيث تخصصت في قضايا القانون العام والحقوق والحريات. وقد مكّنها هذا الاختصاص من فهم عميق لمنظومة التشريعات والمرجعيات القانونية، ما فتح لها لاحقًا أبواب العمل الإعلامي كمحلّلة قانونية.

ظهر اسم الدهماني على شاشات التلفزيون بفضل مقاربتها الهادئة وتحليلها الموضوعي للملفات الشائكة، مما أكسبها قاعدة جماهيرية واسعة. وقد قدّمت مداخلات عديدة حول قضايا تتعلق بالدستور، القضاء، الحرية الفردية، والإطار القانوني للتصريحات السياسية.

هذا الحضور جعل منها صوتًا بارزًا في الساحة الإعلامية، وخاصة خلال سنوات الجدل السياسي التي شهدتها تونس بعد 2011، أين أصبح الرأي القانوني عاملاً مؤثرًا في النقاشات اليومية.

الجدل الذي غيّر مسارها

في منتصف سنة 2024، اندلعت موجة جدل واسعة بعد تصريحات قدّمتها الدهماني خلال برنامج تلفزي، اعتُبرت وفق بعض تأويلات القانون تصريحات مخالفة للنصوص المنظمة للاتصال العمومي. وعلى إثر ذلك، تم فتح قضية جزائية لمتابعة الموضوع.

مرت القضية بجميع المراحل الإجرائية المعتمدة داخل المحاكم التونسية: بحث ابتدائي، جلسات استماع، مرافعات قضائية، ثم صدور حكم ابتدائي تلته درجة استئناف. وقد أكدت هيئة الدفاع حينها أن الإجراءات تمت في نطاق قانوني كامل.

احترام المسار القضائي واستقلال المؤسسات

صرّحت جهات رسمية بأن جميع الملفات المتعلقة بالتصريحات الإعلامية تُعرض على القضاء حصريًا دون تدخل سياسي، وأن تونس تواصل ترسيخ مؤسساتها القضائية وفق معايير استقلالية واضحة.

وفي المقابل، عبّرت منظمات حقوقية ومهنية عن أهمية ضمان المحاكمة العادلة لكل العاملين في الإعلام وعدم المساس بحق الدفاع والرأي المكفول دستوريًا، شريطة احترام الضوابط القانونية.

تأثير غيابها عن المشهد الإعلامي

رغم دخولها السجن، ظل اسم سنية الدهماني حاضرًا بقوة داخل النقاش العمومي. فقد واصل العديد من المتابعين نشر مقاطع أرشيفية لمداخلاتها التلفزية، وبعضها يعود لسنوات مضت وكانت تتناول مسائل التعبير والحريات بدقة.

ويرى محللون أن غيابها كشف حجم الفراغ الذي خلفه خروج أصوات تحليلية قانونية من المشهد، خاصة وأن تونس في حاجة دائمة إلى نقاش مسؤول حول آليات تطبيق القانون.

الإعلام والقانون: خط رفيع بين الرأي والمساءلة

تسلّط قضية الدهماني الضوء مجددًا على النقاش القديم المتجدد: إلى أي مدى يحق للإعلامي إبداء رأي دون أن يتعارض ذلك مع النصوص القانونية؟

يؤكد مختصون أن حرية التعبير ليست مطلقة، بل تضبطها تشريعات تهدف إلى حماية النظام العام وسمعة الأفراد، غير أن تطبيق هذه النصوص يظل قابلًا للتأويل، وهو ما يفتح النقاش في المجتمعات الديمقراطية حول حدود النقد المشروع.

ردود فعل الشارع التونسي

اختلفت المواقف الشعبية تجاه القضية:

فئة اعتبرت أن الإعلاميين مطالبون بالانضباط القانوني أكثر من غيرهم نظرًا لتأثيرهم الواسع.

في حين رأت فئة أخرى أن السجن بسبب التعليقات التلفزية قد يقوض حرية التعبير تدريجيًا.


هذه الانقسامات أصبحت جزءًا من المشهد العام، خصوصًا في مرحلة سياسية انتقالية تتسم بكثرة التحولات.

حالة إعلامية تفتح أبواب الأسئلة

يشير خبراء الإعلام إلى أن قضية الدهماني ليست مجرد حدث فردي، بل مثالًا على علاقة المنظومة الإعلامية في تونس بمسارات الرقابة، القضاء، والنقاشات القانونية. كما أنها تمثل اختبارًا لقدرة الدولة على الموازنة بين حماية الآراء وحماية المصلحة العامة.

كما يدعو عدد من المهنيين إلى تحديث التشريعات المتعلقة بالاتصال السمعي البصري لتحديد معايير واضحة تمنع التأويلات الفضفاضة.

هل أثّر السجن على صورتها العامة؟

يرى مراقبون أن صورة سنية الدهماني لم تتلاشى، بل تحولت إلى رمز حالة إعلامية تُطرح في سياق النقاش الحقوقي. فغيابها زاد من تداول آرائها السابقة، ومنحها بعدًا رمزيًا لدى شريحة واسعة من المتابعين.

كما يعتبر آخرون أن صمودها واحترامها للمسار القضائي منحها تعاطفًا إضافيًا.

الإعلام التونسي في مرحلة حساسة

تمر الساحة الإعلامية التونسية بمرحلة انتقالية منذ سنوات، تتأرجح بين:

إعادة تنظيم المشهد

ضبط الفضاء العام

مراجعة التشريعات المتعلقة بالتصريحات


ويؤكد خبراء أن هذه الفترة تتطلب حوارًا وطنيًا يضمن احترام الدولة للقانون وفي الآن نفسه حماية الصحافة كركن أساسي للديمقراطية.

متابعة قانونية مستمرة

تواصل الجهات القانونية متابعة القضية في إطار الإجراءات الاعتيادية، مما يترك الباب مفتوحًا أمام احتمالات الاستئناف أو المسارات القانونية الممكنة لاحقًا، وفق ما يسمح به القانون.

وتشير بعض المصادر إلى أن ملفها لم يُغلق بشكل نهائي في مستوى النقاش الحقوقي داخل المنظمات المهنية.

المجتمع المدني… صوت متزايد

عبّرت عدة جمعيات وهيئات حقوقية عن اهتمامها بالقضية، مطالبة بضمان محاكمة عادلة وعدم تحويل الإعلام إلى مصدر خوف لدى المتدخلين فيه. كما أكدت نقابات القطاع ضرورة تنظيم دورات تكوينية للإعلاميين لفهم النصوص القانونية التي تضبط المهنة.

خاتمة

بعد سنة ونصف من سجنها، لا تزال سنية الدهماني حاضرة بقوة في الذاكرة الإعلامية التونسية، بين مؤيد يعتبرها ضحية مبالغة قانونية، وآخر يرى في الحكم رسالة واضحة لضبط حدود الخطاب الإعلامي.

وبين هذا وذاك، يبدو أن تونس تعيش مرحلة حساسة في مسار ترسيخ دولة القانون والمؤسسات، حيث يجب أن تبقى حرية التعبير والإعلام محمية، دون المساس بحقوق الأفراد واحترام التشريع.

تبقى قضية سنية الدهماني مثالًا واضحًا على تفاعل الإعلام مع القضاء في مجتمع ديمقراطي يبحث عن التوازن بين الحرية والمسؤولية، في وقت تحتاج فيه الساحة السياسية والإعلامية إلى مزيد من الحوار، التطوير، والتشريعات الواضحة التي تضمن مستقبلًا أكثر استقرارًا.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال